ذم التبذير والإسراف
ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ( ﻭﻻ ﺗﺒﺬﺭ ﺗﺒﺬﻳﺮا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا )
قال الفخر الرازي رحمه الله تعالى
ﻭاﻟﺘﺒﺬﻳﺮ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ ﺇﻓﺴﺎﺩ اﻟﻤﺎﻝ ﻭﺇﻧﻔﺎﻗﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﺮﻑ.
ﻗﺎﻝ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ اﻷﺳﻮﺩ: ﻛﻨﺖ ﺃﻃﻮﻑ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻣﻊ ﻣﺠﺎﻫﺪ ﺣﻮﻝ اﻟﻜﻌﺒﺔ ﻓﺮﻓﻊ ﺭﺃﺳﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻲ ﻗﺒﻴﺲ ﻭﻗﺎﻝ: ﻟﻮ ﺃﻥ ﺭﺟﻼ ﺃﻧﻔﻖ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا ﻓﻲ ﻃﺎﻋﺔ اﻟﻠﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺮﻓﻴﻦ، ﻭﻟﻮ ﺃﻧﻔﻖ ﺩﺭﻫﻤﺎ ﻭاﺣﺪا ﻓﻲ ﻣﻌﺼﻴﺔ اﻟﻠﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺮﻓﻴﻦ.
ﻭﺃﻧﻔﻖ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻧﻔﻘﺔ ﻓﻲ ﺧﻴﺮ ﻓﺄﻛﺜﺮ ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ ﻻ ﺧﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﺴﺮﻑ ﻓﻘﺎﻝ: ﻻ ﺳﺮﻑ ﻓﻲ اﻟﺨﻴﺮ،
ﻭﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﻗﺎﻝ: ﻣﺮ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﺴﻌﺪ ﻭﻫﻮ ﻳﺘﻮﺿﺄ ﻓﻘﺎﻝ: ﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﺴﺮﻑ ﻳﺎ ﺳﻌﺪ؟ ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﻭ ﻓﻲ اﻟﻮﺿﻮء ﺳﺮﻑ؟ ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ: ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﻬﺮ ﺟﺎﺭ
ﺛﻢ ﻧﺒﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﺢ اﻟﺘﺒﺬﻳﺮ ﺑﺈﺿﺎﻓﺘﻪ ﺇﻳﺎﻩ ﺇﻟﻰ ﺃﻓﻌﺎﻝ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻥ اﻟﻤﺒﺬﺭﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﺇﺧﻮاﻥ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ
هذا وفي اﻟﻤﺮاﺩ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ اﻷﺧﻮﺓ قولان
الأول
اﻟﺘﺸﺒﻪ ﺑﻬﻢ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻔﻌﻞ اﻟﻘﺒﻴﺢ، ﻭﺫﻟﻚ ﻷﻥ اﻟﻌﺮﺏ ﻳﺴﻤﻮﻥ اﻟﻤﻼﺯﻡ ﻟﻠﺸﻲء ﺃﺧﺎ ﻟﻪ، ﻓﻴﻘﻮﻟﻮﻥ: ﻓﻼﻥ ﺃﺧﻮ اﻟﻜﺮﻡ ﻭاﻟﺠﻮﺩ، ﻭﺃﺧﻮ اﻟﺴﻔﺮ ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﻣﻮاﻇﺒﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ اﻷﻋﻤﺎﻝ،
الثاني
ﻗﻴﻞ ﻗﻮﻟﻪ: ﺇﺧﻮاﻥ/ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﺃﻱ ﻗﺮﻧﺎءﻫﻢ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭاﻵﺧﺮﺓ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ: ﻭﻣﻦ ﻳﻌﺶ ﻋﻦ ﺫﻛﺮ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻧﻘﻴﺾ ﻟﻪ ﺷﻴﻄﺎﻧﺎ ﻓﻬﻮ ﻟﻪ ﻗﺮﻳﻦ [اﻟﺰﺧﺮﻑ: 36]
ﻭﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: اﺣﺸﺮﻭا اﻟﺬﻳﻦ ﻇﻠﻤﻮا ﻭﺃﺯﻭاﺟﻬﻢ [اﻟﺼﺎﻓﺎﺕ: 22] ﺃﻱ ﻗﺮﻧﺎءﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ،
صفة الشيطان
ﺛﻢ ﺇﻧﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻴﻦ ﺻﻔﺔ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻓﻘﺎﻝ: ﻭﻛﺎﻥ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻟﺮﺑﻪ ﻛﻔﻮﺭ
ﻭﻣﻌﻨﻰ ﻛﻮﻥ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻛﻔﻮﺭا ﻟﺮﺑﻪ، ﻫﻮ ﺃﻧﻪ ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ ﺑﺪﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﻭاﻹﻓﺴﺎﺩ ﻓﻲ اﻷﺭﺽ، ﻭاﻹﺿﻼﻝ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺭﺯﻗﻪ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﺎﻻ ﺃﻭ ﺟﺎﻫﺎ ﻓﺼﺮﻓﻪ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﻣﺮﺿﺎﺓ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻛﺎﻥ ﻛﻔﻮﺭا ﻟﻨﻌﻤﺔ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ،
ﻭاﻟﻤﻘﺼﻮﺩ: ﺃﻥ اﻟﻤﺒﺬﺭﻳﻦ ﺇﺧﻮاﻥ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻛﻮﻧﻬﻢ ﻣﻮاﻓﻘﻴﻦ ﻟﻠﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺼﻔﺔ ﻭاﻟﻔﻌﻞ، ﺛﻢ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻛﻔﻮﺭ ﻟﺮﺑﻪ ﻓﻴﻠﺰﻡ ﻛﻮﻥ اﻟﻤﺒﺬﺭ ﺃﻳﻀﺎ ﻛﻔﻮﺭا ﻟﺮﺑﻪ،
ﻭﻗﺎﻝ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻠﻤﺎء: ﺧﺮﺟﺖ ﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﻓﻖ ﻋﺎﺩﺓ اﻟﻌﺮﺏ ﻭﺫﻟﻚ ﻷﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺠﻤﻌﻮﻥ اﻷﻣﻮاﻝ ﺑﺎﻟﻨﻬﺐ ﻭاﻟﻐﺎﺭﺓ ﺛﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻨﻔﻘﻮﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻃﻠﺐ اﻟﺨﻴﻼء ﻭاﻟﺘﻔﺎﺧﺮ، ﻭﻛﺎﻥ اﻟﻤﺸﺮﻛﻮﻥ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ ﻳﻨﻔﻘﻮﻥ ﺃﻣﻮاﻟﻬﻢ ﻟﻴﺼﺪﻭا اﻟﻨﺎﺱ ﻋﻦ اﻹﺳﻼﻡ ﻭﺗﻮﻫﻴﻦ ﺃﻫﻠﻪ، ﻭﺇﻋﺎﻧﺔ ﺃﻋﺪاﺋﻪ ﻓﻨﺰﻟﺖ ﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﺗﻨﺒﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﺢ ﺃﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺒﺎﺏ.....
انتهى كلامه رحمه الله تعالى بتصرف يسير
فوائد
الأولى
ورد في نضرة النعيم ما يلي
التبذير اصطلاحا:
قال المناويّ: التّبذير: تفريق المال على وجه الإسراف [التوقيف على مهمات التعاريف ص 9، والتعريفات للجرحاني ص 52] .
وأصله إلقاء البذر وطرحه فاستعير لكلّ مضيّع لماله [انظر المفردات للراغب ص 52 (ت محمد أحمد خلف اللّه) ]، فتبذير البذر تفريق في الظّاهر لمن لا يعرف مآل ما يلقيه .
ونقل القرطبيّ عن الإمام الشّافعّيّ- رحمه اللّه- قوله: التبذير: إنفاق المال في غير حقّه، ولا تبذير في عمل الخير
[تفسير القرطبي 10/ 247] .
وروي عن الإمام مالك- رضي اللّه عنه- قوله: التّبذير: هو أخذ المال من حقّه ووضعه في غير حقّه.
انتهى من نضرة النعيم
الثانية
ورد في صحيح البخاري أن اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ قال : «ﻛﻠﻮا ﻭاﺷﺮﺑﻮا ﻭاﻟﺒﺴﻮا ﻭﺗﺼﺪﻗﻮا، ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﺇﺳﺮاﻑ ﻭﻻ ﻣﺨﻴﻠﺔ» ﻭﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ: " ﻛﻞ ﻣﺎ ﺷﺌﺖ، ﻭاﻟﺒﺲ ﻣﺎ ﺷﺌﺖ، ﻣﺎ ﺃﺧﻄﺄﺗﻚ اﺛﻨﺘﺎﻥ: ﺳﺮﻑ، ﺃﻭ ﻣﺨﻴﻠﺔ " ___
صحيح البخاري أول كتاب اللباس
وفي معنى ألفاظ الحديث يقول بعضهم
معني (ﺇﺳﺮاﻑ) ﻫﻮ ﺗﺠﺎﻭﺯ اﻟﺤﺪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻓﻌﻞ ﺃﻭ ﻗﻮﻝ ﻭاﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ ﻓﻲ اﻹﻧﻔﺎﻕ ﺃﺷﻬﺮ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻩ ﻭﻫﻮ ﻓﻴﻪ اﻹﻧﻔﺎﻕ ﺯاﺋﺪا ﻋﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻭﻳﻠﻴﻖ.
معنى(ﻣﺨﻴﻠﺔ) ﻣﻦ اﻟﺨﻴﻼء ﻭﻫﻮ اﻟﺘﻜﺒﺮ.
(ﻣﺎ ﺷﺌﺖ) ﻣﻤﺎ ﺃﺣﻠﻪ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ.
(ﺃﺧﻄﺄﺗﻚ. .) ﺗﺠﺎﻭﺯﺗﻚ ﻭﻟﻢ ﺗﺤﺼﻞ ﻣﻨﻚ ..
الثالثة
كل إنسان محاسب على ماله يوم القيامة
ﻋﻦ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ رضي الله عنه ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ صلى الله عليه وسلم ﻗﺎﻝ ( ﻻ تزول ﻗﺪﻣﺎ اﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺄﻝ ﻋﻦ ﺧﻤﺲ
ﻋﻦ ﻋﻤﺮﻩ ﻓﻴﻢ ﺃﻓﻨﺎﻩ ؟
ﻭﻋﻦ ﺷﺒﺎﺑﻪ ﻓﻴﻢ ﺃﺑﻼﻩ ؟
ﻭﻋﻦ ﻣﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﺃﻳﻦ اﻛﺘﺴﺒﻪ ؟
ﻭﻓﻴﻢ ﺃﻧﻔﻘﻪ ؟
ﻭﻣﺎ ﻋﻤﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﻋﻠﻢ؟ )
أورده في صحيح الجامع رقم ١٢٨ وقال حسن لغيره .
وقال المنذري في الترغيب : .
ﺭﻭاﻩ اﻟﺘﺮﻣﺬﻱ ﺃﻳﻀﺎ ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ ﻭﻗﺎﻝ اﻟﺘﺮﻣﺬﻱ ﺣﺪﻳﺚ ﻏﺮﻳﺐ ﻻ ﻧﻌﺮﻓﻪ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ صلى الله عليه وسلم ﺇﻻ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﺣﺴﻴﻦ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ ﻭﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺣﺴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺘﺎﺑﻌﺎﺕ ﺇﺫا ﺃﺿﻴﻒ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻗﺒﻠﻪ ﻭاﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ
تنبيه
على كل مسلم أن يتحرى الدقة في ماله من ناحينبن
الأولى : من أين اكتسبه ؟
الثانية : فيم أنفقه ؟
أد / مختار مرزوق عبدالرحيم
أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط
تعليقات
إرسال تعليق